هذا العنوان إخترته قبل أكثر من عشر سنوات لمحاضرة ألقيتها على الشباب في نشاط صيفي، وقبل البدء وزعت أوراقاً على الجمهور ليكتبوا توقعاتهم عن دلالة العنوان، فجاء معظمها عن شباب المخدرات، شباب التقليعات... وهكذا، ثم إخترت العنوان نفسه لمحاضرة ألقيتها في إحدى الجامعات، وكررت السؤال وتكرر الجواب، وها أنا ذا اليوم أكرر العنوان نفسه.
في المرة الأولى تحدثت عن شباب المقاومة والإنتفاضة في فلسطين، وقدمت نماذج منهم في العشرينات والثلاثينات من العمر، لكنهم قدموا أرواحهم في سبيل الله وأرعبوا العدو الصهيوني حتى صار يعد قتل الواحد منهم نصراً عسكرياً وإنجازاً إستخبارياً من الطراز الأول.
وفي المرة الثانية تحدثت عن شباب التطوع والخدمة في أعمالهم المتنوعة لمساعدة المحتاجين وإغاثة المنكوبين والمحافظة على البيئة وحملات التوعية ونحو ذلك.
ففي كل مرة كنت أحرص على أن أقدم صورة إيجابية عملية شواهدها حية وأمثلتها قوية، وذلك لأنني مؤمن بأن في شبابنا خيرًا كثيرًا، وأن في داخله طاقة حيوية، وفي نفسه مشاعر خيرية، وفي فكره آراء ورؤى إيجابية، وأن المشكلة تكمن في أنه ليست هناك قنوات تستوعب الطاقة وتستثمر الحيوية وتوجه الفكر وتحول هذا الشباب إلى قوة دافعة منتجة.
أمتنا شابة، ونسبة الشباب في مجتمعاتنا هي الأكبر عالمياً، واليوم جلّ شبابنا متعلمون، ومع الإنفتاح الإعلامي والثورة المعلوماتية صار أكثرهم مطلعين وجلّهم واعين، ورؤيتهم للواقع فيها طموح للأفضل ورغبة في التغيير والإصلاح، وعند مقارنتهم لواقع دولهم ومجتمعاتهم مع دول ومجتمعات أخرى أقل في الموارد والثروات وليس لديها ما في الإسلام من شرائع محكمة، وأخلاق فاضلة، ومنهجية متكاملة، ومع ذلك يرون تلك الدول متفوقة علمياً، ومنتجة صناعياً، ومتقدمة إقتصادياً، وهنا نجد الإتجاهات مختلفة، ففئة تستسلم لليأس والإحباط، وقلة تهوي مع الملهيات والمخدرات، وجموع أخرى تتحرك لمزيد من التعليم والتأهيل والتطوير والتغيير.
وشباب اليوم -كما رأينا في الأحداث- هم شباب الثورة والإنتصار، وهنا إسجل معالم جديدة لشباب آخر زمن.
إنهم شباب التقنية والتواصل في الفيس بوك والتويتر واليوتيوب والبلاك بيري.
إنهم شباب التعليم والتدريب من خريجي الجامعات والحاصلين على الشهادات والمنخرطين في الدورات.
إنهم شباب الوحدة الوطنية الذي يوحّد ولا يفرّق، ويأتلف ولا يختلف.
إنهم شباب المدينة والحضارة الذي يحافظ على المرافق العامة وينظف الشوارع ويمارس السلوك الحضاري.
إنهم شباب السلم الإجتماعي الذي يرفض العنف ويمتنع عن التخريب ويتقن فن الحصول على الحقوق بإيجابية وحيوية وقوة وقدرة دون حاجة للمواجهة والعنف.
إنهم شباب الوعي السياسي الذي قدم نموذجاً في الفهم والتحليل وأسس بناء الدولة الحديثة.
إنهم شباب واعد لديه كثير مما يمكن أن يقدمه ويسهم به في خدمة مجتمعه ونهضة أمته.
وهناك قلق لمسته لدى بعض الغيورين أنهم يريدون لهذا الشباب صبغة دينية لها في أذهانهم صورة معينة، وأنا لست قلقاً بشكل كبير، ولا شك أنني محب وحريص على تدين شبابنا، ولكنني أقول إن تدينهم فطري، وإن كثيرين منهم ملتزمون بالفرائض ولديهم عاطفة إيمانية ورؤى إسلامية، ولا ننسى أن إسهامهم التقني والعلمي والعملي ودفعهم لعجلة الحياة المدنية هو إسلام، فالإسلام هو الحياة، فتحية لشبابنا.
وآمل أن يقولوا لنا: اللهم اجعلنا خيراً مما يظنون واغفر لنا وما لا يعلمون، وأنا أتمنى أن يكونوا أعلى من قول القائلين ومدح المادحين، وأن يترجموا قول الشاعر:
قد نهضنا للمعالي ومضى عنا الجمود *** ورسمنا خطى للعز والنصر تقود
وأن يجسدوا الصورة المتمثلة في قول الشاعر:
على قدر أهل العزمِ تأتي العزائمُ *** وتأتي على قدر الكرامِ المكارمُ
وأخيراً أهديهم قول إقبال:
همُمُ الأحرار تحيي الرِّمَما *** نفخةُ الأبرار تُحيِي الأُمَمَا
الكاتب: د. علي بن عمر بادحدح.
المصدر: موقع قصة الإسلام.